د. عامر عبد الله الجميلي
كلية الاثار/جامعة الموصل
Origins of Some Ancient Geographical Cities and Sites for Yaqut AL-Hamawi Between Mythical and Linguistic Orgins.
By: Dr. Amir AL-Jumaili
College of Archaeology – University of Mosul.
This research sheds light on the origins of some ancient Geographical Cities and Sites which were mentioned by Yaqut AL-Hamawi in his book "Mu'jam Al-Buldan", which were interpreted mostly as mythical description which is not possible. It is naming an attempt to return the naming origin of those sites according to their linguistic orgins.
مقدمة :
تعود اسماء العديد من المدن والمواضع الجغرافية في الشرق الادنى القديم الى عصور موغله في القدم ، ولعل اغلبها مشتق ومتأتّ ، اما من طبيعة طوبوغرافية الارض او الموضع او من وظيفتها او الخدمات التي تقدمها وغيرها. ولعل من دواعي اختيار الباحث لأحد اهم اعلام الجغرافية العربية (ياقوت الحموي) وصاحب اهم سفر جغرافي عربي في العصور الوسطى ، ونعني به (معجم البلدان)، هو انه على الرغم من انتهاجه في بعض تخريجاته وتفسيراته لأصول اسماء المواضع، اسلوباً لغوياً وعلمياً وواقعياً وتحفظه في العديد من تضاعيف كتابه على بعض الروايات المبالغ فيها او مما يستشف منه البعد عن الحقيقه ، كقوله عن مدينة في الاندلس تدعى (مدينة النحاس) : " ولها قصة بعيدة من الصحة لمفارفتها العادة، وانا بريء من عهدتها، انما اكتب ما وجدته في الكتب المشهورة التي دوّنها العقلاء" ، إلا اننا نلحظ تسرب بعض التخريجات ذات التفسير الاسطوري لأصول اسماء بعض المواضع في كتابه ، لذا جاء هذا البحث ليسلط الضوء على اصول اسمائها الحقيقية.
والحقيقة انه في بعضها كان ناقلاً عن روايات من سبقوه من اللغويين والبلدانيين التي شكّلت موارد معجم البلدان ومصادره، والبعض الاخر يحسب عليه لأنه هو من حاول تفسيره واجتهد في ذلك بقدر ماسمحت له معارفه وعلمه آنئذ ، ونحن هنا لسنا بصدد اتهام ياقوت ووصمه بالجهل اللغوي ونعته بالسطحيه العلمية ، وهو من قام بجمع اضخم معجم للبلدان في العصور الوسطى ولمّ شتات 12953 موضعاً من بطون الكتب ومن افواه من شاهدهم في رحلاته من سكان القرى والقصبات والبلدان التي زارها ، فضلاً عن غيرها من المؤلفات الاخرى ، وهو ابن بيئة وثقافة عصره ، كان هذا مبلغ علمهم ، فضلاً عن خِصال تحسب له، كتأكيده على رسم كتابة شكل هذه الاسماء بالحروف خشية ان ُتصَحّف او تحرف ، وترداده كثيراً لعبارات تدل على إعماله للفكر وتحليل اصل الاسم كـ: لعلها مشتقة من ... او كأنها مأخوذة من ... ، وغيرها، وتمييزه لبعض اسماء المواضع ان كانت من المعّرب او الدخيل ، ويحيلها حسب مقدرته وإلمامه إما للفارسية او الرومية او الحبشية او القبطية ، في حين كان ينسب بعض الاسماء الى الآراميه او السريانيه التي يسميها في مواضع اخرى بالنبطية ، وهنا نلتمس له ايضاً عذراً ، فلم تكن في عصره قد فُكّت بعد رموز كتابات اللغات القديمة الميته ، كالأكدية (البابلية – الاشورية) والمصرية القديمة والسبئية والكنعانية وغيرها ، او من يعرف عن اسمها شيئاً يذكر. وهي مايعزى له الفضل في معرفتنا بمصادر واصول التسميات الاصلية . وان الدافع من هذا البحث والدراسة هو تصويب اصول اسماء المدن والمواضع وإرجاعها الى الاصل اللغوي التي اصطلح عليها قدماء الشعوب ، ورائدنا في ذلك هو البحث عن الحقيقة ليس الا ، وتصحيح ما شاع من الاخطاء والافكار التي إنصرفت عن معنى الاسم الحقيقي ، الى دلاله اخرى ليس لها علاقة من قريب او بعيد بمعنى الاسم الاصلي للموضع منتهجين في ذلك اسلوب المدرسة العراقية في التاريخ والحضارة التي اخذت على عاتقها انتهاج اسلوب علمي لنطق وكتابة ولفظ و تفسير الاسماء والظواهر التاريخية والاثارية كما وردت في الكتابات القديمة (كالمسمارية والارامية وغيرها) ، لا كما وصلتنا بعد تصحيف وتحريف وقلب وابدال وإعلال ونحت وغيرها من الظواهر اللغوية وتناولتها الألسن وصيّرتها بعيدة عن التسمية الاصلية القديمة ، لنعيدها سيرتها الاولى او على اقل تقدير نسلط الضوء على اصولها اللغوية الحقيقية ، وقد حاولنا رصد بعض اسماء تلك المدن والمواضع التي وردت في معجم البلدان وما جاء في تفسيرها عند ياقوت ، محاولين ارجاعها الى اصولها الاصلية من اللغات التي اشتقت منها ، والمعنى الارجح لها ، ومصادر تفسيرنا لأصول ومعاني الاسماء ، هي المعاجم اللغوية في الدرجة الاولى والكتب والمباحث اللغوية ذات العلاقة بالتحقيقات التاريخية والاثرية والبلدانيه لأسماء تلك المواضع ومن هذه الاسماء التي جاءت في معجم البلدان :
1- إربِل: مدينة تقع شمالي العراق
جاء في معجم البلدان :"ان كان إربِل عربياً ، فقد قال الاصمعي : الرَّبلُ ضرب من الشجر ، اذا برد الزمان عليه وادبر الصيف تفطَّر بورق اخضر من غير مطر؛ يقال : تربلت الارض ، لايزال بها رَبْلٌ ، فيجوز ان تكون إربل مشتقه من ذلك"(). والحقيقة ان اقدم ماوصل الينا عن ذكر اربيل ، الاشارات الواردة في نصوص ملوك سلالة اور الثالثة السومرية (2112-2004 ق. م) حيث ذكرت المدينة بأسم (( اور- بيلُم)) (URBILUM)، كما جاء ذلك فيما يسمى بالحوادث المؤرخ بها (Date – formulae) العائدة للسنة الثالثة والاربعين من حكم ثاني ملوك تلك السلالة المسمّى (شولكي SULGI) (2094-2047 ق.م) والسنة الثانية من حكم خلفه الملك ( أمار – سين ) (2046-2038 ق.م)، مما يدل على ان اربيل والمنطقة المحيطة بها وجميع بلاد آشور كانت قد دخلت ضمن نفوذ امبراطورية سلالة اور الثالثة المذكورة سلفاً. اما الصيغة المألوفة الوارد فيها اسم اربيل في النصوص الآشورية، فهي (أربائيلو) (arba-ilu) وهو اسم يعني (أربعة آلهة) او (الآلهة الاربعة) ، ولعل الكتبة الآشوريين فسّروا الصيغة السومرية القديمة لأسم المدينة اي : (اوربيلم) تفسيراً جماهيرياً – شعبياً- (popular) على انه يعني اربعة آلهه()
2- بابل: مدينة تقع وسط العراق وكانت عاصمة البابليين في العصور القديمة.
يورد لنا ياقوت في معجمه نقولات وروايات عديدة عن تأصيل وسبب تسمية بابل بهذا الاسم ، ولاتعدو جميعها عن كونها تدخل في دائرة التفسير الاسطوري المستمد ربما من الاسرائيليات المنقول بعضها من العهد القديم (اشارة الى الآية 1-9 من الاصحاح الحادي عشر من سفر التكوين : " لذلك سميت المدينة (بابل) لأن الرب بَلبَل لسان اهل كل الارض، وبالتالي شتّتهم من هناك في ارجاء الارض كلها" فقد جاء في مادة (بابل) : اسم ناحية من الكوفه والحلة ، ينسب اليها السحر() والخمر... ثم يستطرد لينقل لنا عن ابو المنذر هشام بن محمد تفسيرا اولياً عن سبب التسمية : "قال : ومدينة بابل بناها بيوارسب الجبار واشتق اسمها من اسم المشتري ، لأن بابل باللسان البابلي الاول اسم للمشتري() ، إن ورود اسم (بيوراسب) في هذه الرواية يستحق منّا الوقوف ولو قليلاً للتعليق عليه، وهو انه ربما يوحي لنا بأسم مدينة (بورسبّا) القريبة من بابل ، ولا علاقة لها ببابل سوى انها كانت تتاخم حدود اسوار مدينة بابل حتى سميت باسم (بابل الثانية) لأنها من المدن التي نشأت بعد بابل .وحتى هذا الاسم لا يعني انه اسم الملك، وانما الكلمة "تعني (سِيف البحر) او (قرن البحر) ولعل سبب التسمية ناشئ من ان المدينة كانت تقع على حافة غدران او بحيرة على غرار بحر النجف"()، ونعود ثانية لبابل التي يورد لنا ياقوت رواية ثانية عن سبب التسمية ناقلاً لنا هذه المرة حديثاً مرفوعاً الى انس بن مالك وضعفّه الحافظ في لسان الميزان ، عن ابو بكر أحمد بن مروان المالكي الدينوري في كتاب المجالس، قال :"لما حشر الله الخلائق الى بابل ، بعث اليهم ريحاً شرقية وغربيه وقبلية وبحرية فجمعهم الى بابل ، فاجتمعوا يومئذ ينظرون لما حشروا له ، إذ نادى منادٍ: من جعل المغرب عن يمينه والمشرق عن يساره فاقتصد البيت الحرام بوجهه فله كلام أهل السماء، فقام يعرب بن قحطان فقيل له : يايعرب بن قحطان بن هود انت هو ، فكان اول من تكلم بالعربية ، ولم يزل المنادي ينادي : من فعل كذا وكذا ، حتى افترقوا على اثنين وسبعين لساناً، وانقطع الصوت وتبلبلت الألسن ، فسميت بابل ، وكان اللسان يومئذ بابلياً...."() ،وبعد ان اورد ياقوت هذه الرواية، نراه غير مقتنع وربما متشكك بها، لأنه يستدرك بعبارة "قلت : هذا خبر نقلته على ما وجدته ، والله المستعان عليه"() .وبعد هذا الاستعراض لهذه الروايات عند ياقوت عن سبب تسمية بابل نوجز تعليل اصل تسميتها اي (بابل) وأول مايذكر التعليل الوارد في التوراة في كلامها على برجها الشهير واسطورة بلبلة الألسن وأن الناس شيّدوه بالصعود الى السماء فبلبل الله السنتهم، ومن هنا منشأ تسمية المدينة (بابل). إن هذا التفسير الغريب او التشويه المتعمد في تفسير اسم بابل ووظيفة برجها المدرّج (الزقّورة) ابعد مايكون عن الصحة والحقيقة. اما التفسير الحقيقي فهو ان اسم بابل ورد في النصوص المسمارية بهيئة (باب- ايلي bab-ili) او "بالادماج (بابيلُم babilum) ومعناه (باب الأله) او (باب الآلهه) كما ورد بالصيغة السومرية التي هي ترجمة للصيغة البابلية او العكس : (كا.دنكر.را KA.DINGIR.RA) ومعناه ايضاً (باب الأله)().
الا ان المرحوم الأستاذ طه باقر يعود ليتحفظ حتى على هذا التفسير اللغوي الشائع عند اوساط العلماء والباحثين حيث يعلق انه(ارتؤي حديثاً ان هذه التسمية ، بالبابلية والسومرية من قبل التعليل الجماهيري لاسم المدينة (بابيلُم) التي هي تسمية بلغة اولئك القوم المجهولي الاصل وسماهم الباحثون المحدثون (الفراتيون الاوائل)().
3-بغداد:عاصمة العباسيين في العصور الوسطى وعاصمة العراق حالياً.
جاء في معجم البلدان "قال ابن الانباري: العرب تختلف في لفظها اذ لم يكن اصلها من كلامهم ولااشتقاقها من لغاتهم ،قال بعض الاعاجم: تفسيره: بستان رجل ، فباغ بستان و داد اسم رجل وبعضهم يقول : بَغٍ اسم للصنم، فذكر انه اهدى الى كسرى غلام من المشرق فاقطعه اياها، وكان الغلام من عُبّاد الاصنام ببلده فقال : بغ داد اي الصنم اعطاني ، وقيل بغ هو البستان وداد اعطى وكان كسرى قد وهب لهذا الغلام هذا البستان فقال: بغ داد فسميت به، وقال حمزة بن الحسين: بغداد اسم فارسي مُعرّب عن باغ داذَوَيه، لأن بعض رقعة مدينة المنصور كان باغاً (بستاناً) لرجل من فارس اسمة داذويه() ومن الجدير بالذكر ان وجود بغداد يسبق العصر الساساني (224-636 م) والذي كان العرب يعتقدون انها بنيت في ذلك العصر، والحقيقة انها عرفت منذ فترات اقدم ، حيث وردت في النصوص المسمارية من مخنلف العصور ، وأقدم ذكر لها ورد في العصر البابلي القديم ، إذ جاءت بصيغتين هما : (بـﮕدادو bagdadu) و (بـﮕدادا bagdada) وتكرر وجودها في العصر الكشّي (1500-1117 ق. م) حيث ورد ذكرها على حجرة حدود (كودورّو kudurru) من عهد الملك الكشّي (نازي مرتاش 1341-1316 ق.م ) وفيها يذكر ان موقع هذه المدينة بالقرب من نهر يدعى (نهر الملك نار- شرّي) ولما كان نار-شَرّي nar-šarri بالأكدية يعني نهر الملك – ويقابله بالارامية (نهرا د ملكا) وهذا النهر يأخذ مياهه من الفرات الى دجلة ، وطابقه الباحث أحمد سوسه مع (قناة او جدول يعرف بأسماء عديدة حالياً كـ (جدول الكرمه أو الصقلاوية او الخرّ او الوشّاش) والاسم الاخير بالقرب من حي المنصور وهو احد احياء مدينة بغداد الغربية()، إذاً فهي تتطابق مع بغداد الحالية ، وتكرر ذكرالمدينة في نصوص العصر الآشوري الوسيط والحديث(). ولقد اختلف الباحثون والمؤرخون في تأصيل الأسم ، استناداً الى علم اللغة بعيداً عن الاحتمالات والتخمينات الاسطورية ، فمنهم من ذهب الى ان الاسم من اصل آرامي ويعني (بيت الجداء-بيت كدادا)، ومنهم من قال بالأصل الفارسي المركب من كلمتين (باغ) و (داد) أو (دادان) ومعناه عطية الإله باغ ، او بستان الإله باغ() .وقد ارتؤي اخيراً عند بعض الباحثين ان اسم (بغداد) قد جاء من مادة (بغد) او (بكد) فالباء هي بادئة آرامية مختصرة من كلمة (بيت) او (موضع) كما ترد في مواضع جغرافية عديدة مثل : بعشيقة ، بحزاني ، باجبّارة ، بخديدا ، باقوفا ، بازبدي ، باعربايا ، باعذرا ، بعقوبة ..... وغيرها. أما المقطع الثاني (غد او كد) فهو يشير الى كلمة (أكد) ، فيعني الاسم بالمحصلة النهائية (بيت أكد) . فيما يعطي بعض الباحثين ايضاً احتمالية اشتقاقه من المصدر الاكدي (خودادو hudadu) الذي ربما يعني ايضاً : (ارض الاخاديد) او (مكان جَزّ الصوف)()
4- بلدْ: مدينة تقع على الضفة اليمنى لنهر دجلة شمال غربي الموصل في العراق.
وتعرف بقاياها حالياً بـ (اسكي موصل) جاء في معجم البلدان "وربما قيل لها بلط بالطاء ، قالوا : انما سميت بلط لأن الحوت ابتلعت يونس النبي عليه السلام في نينوى مقابل الموصل وبلطتة هناك فسمي ذلك الموضع بلط ثم بلد"()
ولا أصل لهذا التخريج اللغوي لأن يونس عليه السلام وحسب رواية العهد القديم انما ابتلعه الحوت في البحر المتوسط عندما ركب السفينة من ميناء يافا الى مدينة ترشيش التي يرجح انها كانت تقع إما على الشاطئ الجنوبي الغربي لإسبانيا او جزيرة سردينيا، ومهما يكن من امر فهو وحسب رواية العهد القديم قد خالف امر الرب الذي امره بالتوجه الى نينوى لهداية اهلها، لا الهرب بعكس الوجهة التي ارادها ،وَلَفَظَهُ (قذفه) الحوت على شاطئ جزيرة() وليس في نهر دجلة الذي يشاطئ هذه المدينة والتي تقع على الضفه اليمنى لنهر دجلة وتبعد 50 كم الى الشمال الغربي من مدينة نينوى التي ارسل الله تعالى اليها يونس عليه السلام .كما ان الحيتان لاتعيش في الانهار. واذا ما عدنا الى اصل تسمية (بلط) فنجد انها مشتقه من المصدر الاكدي (بلاطو balatu) والتي تعطي المعاجم ذات العلاقة من معانيها : (الحياة، الحيوية، صحة، خلود، عمر ،مدى الحياة، ارزاق)() ،وكل تلك المعاني تلمح بأن "الموقع الجغرافي ووقوعها على طرق المواصلات وعلى نهر دجلة ومايحيط بها من الجهة الغربية والشمالية من سهل واسع واراضي زراعية ورعوية واسعة وثروة حيوانية كبيرة، الاثر الاكبر في نمائها الاقتصادي والعمراني"() وتمنح الانسان الرخاء والصحة حيث عُدّ سكان بلد عبر العصور وفي اغلب المصادر بأنهم اثرياء() ومن الجدير بالذكر ان اول ورود للمدينة في النصوص المسمارية جاءنا من العصر الآشوري الحديث في حوليات الملك الآشوري سين-اخي-ايريبا (سنحاريب) (704-681 ق,م) حيث يخبرنا عن اكتشافه لمقالع ضخمة لحجر الكلس الابيض في هذه المدينة القريبة من نينوى وما يمثله هذا الاكتشاف من أهمية لحاجة الدولة له لبناء القصور ونحت الثيران المجنة حيث تقطع او تنحت ومن ثم تسحب وتنقل وتنحدر عبر دجلة بوساطة الاكلاك الى نينوى().
5- تدمر : مدينة تقع في الصحراء غربي سوريا وتتبع ادارياً لمحافظة حمص.
كان اسم هذه المدينة الشهيرة في قلب البادية السورية أحد اكثر الاسماء التي شغلت المفسرين سواء منهم العرب او المستشرقين ومازال يشكل مسألة يتناولها بين الحين والاخر بالدرس والتحليل دون الاقتناع بتفسير نهائي وأكيد . ومن الطبيعي ان المصادر العربية غالباً ماتتطرق الى الاساطير في تفسير بعض الاسماء القديمة() وهاهي احدى الروايات التي اوردها لنا ياقوت الحموي في سبب تسمية تدمر ،حيث جاء في معجم البلدان: "قيل سميت بتدمر بنت حسان بن اذينة بن السميدع بن مزيد بن عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح عليه السلام ، وهي من عجائب الابنية ، موضوعه على العَمَد الّرخام ، زعم قوم انها مما بنته الجِنّ لسليمان ، وأهل تدمر يزعمون ان ذلك البناء قبل سليمان بن داود، عليه السلام ، بأكثر مما بيننا وبين سليمان ، ولكن الناس اذا رأوا بناءاً عجيباً جهلوا بانيه اضافوه الى سليمان والى الجِنّ () ، اما محاولات اللغويين العرب (في اللسان وتاج العروس مثلاً) لرد الاسم الى الجذر العربي (دمر) فلا يمكن الاخذ بها اساساً لكون التسمية اقدم من وجود العربية في سوريا() اذ ورد ذكر المدينة بصيغة (تدمِرtadmir) و (تدمُر tadmur) في النصوص المسمارية العائدة الى العصرين البابلي والآشوري القديمين والعصور اللاحقة لهما(). وقد حاول الباحث عبد الله الحلو مناقشة اشكالية التسمية وتخريجها حيث يرى إنما يعقد المشكلة هو تلك العلاقة الافتراضية التي يراها بعض المستشرقين بين اللفظه السامية -تدمر- واللفظة اليونانية -بالميرا palmyra- ويمكن تلخيص هذه العلاقة كما يلي : يرى البعض ان palmyra تحريف من اللفظة الساميةتدمر نظراً لصعوبة لفظ المقطع الاول منها (تد) في اليونانية . بينما يرى البعض الآخر ان اللفظة السامية (تدمر) مشتقة من (التمر) وعلية فإن palmyra هي ترجمة لها كاشتقاق من palma (شجرة النخيل) معتبرين انها (مدينة النخيل) او (مدينة التمر) . هذا الاشتقاق اليوناني لاغبار عليه من الناحية اللغوية الصرفة . اما من ناحية واقع التسمية وظروفها فيشترط لصحته ان تكون تدمر مشتقه فعلاً من (التمر) وهذا افتراض لايوجد مايؤيده على اسس واقعية للأسباب المنطقية التالية : اولاً – لم تكن تدمر مشهورة بواحات النخيل ، بينما هنالك مناطق ذائعة الصيت بانتاج التمر ومع ذلك فلم تكتسب احداها هذه التسمية ، ثانياً – كان التمر احدى المنتجات التي استوردها اليونان والرومان عن طريق التدمريين ولكنه لم يكن المادة الاساسية والوحيدة بحيث يكسب المدينة هذه التسمية ، وحتى لو صحّ لكان مبرراً للتسمية اليونانية اللاتينية palmyra فقط دون ان يكون برهاناً على اشتقاق اللفظة السامية (تدمر) من (التمر). ثالثاً-لاشك في ان تدمر نشأت واكتسبت اسمها من قبل ان يكون التمر احدى المنتجات التي تاجرت بها مع اليونان والرومان. وعدا عن ذلك يشترط في اشتقاق افتراضي من هذا النوع البرهان على ان لفظة تدمر هي بالأصل تحريف من $تتمر – ( اي تحضر التمر او تأتي بالتمر وماشابه...) وهو افتراض ضعيف للأسباب الآنفة الذكر . ولو صرفنا النظر عن الاسم اليوناني لبقيت لدينا الامكانية الوحيدة المنطقية الا وهي التفسير استناداً لقواعد الاشتقاق الآرامية بردّ الاسم الى الجذر -دمر- الذي يعني : عجب واندهش- وعليه فإن الصيغة اسمية اصله –تَدمُرْتا- اي : العجب او الدهشة او بتعبير آخر: العجيبة، وكل ما حصل هنا هو اهمال نهاية التأنيث الآرامية من هذه الصيغة واختصارها إلىتدمر . وخلاصة القول : ان مدينة تدمر لجديرة بأن تسمى بالمدينة العجيبة وهي التي كانت في تلك الاوقات مدينة فريدة من نوعها تربض في قلب البادية السورية حيث لا تزال آثارها اليوم تشهد على ذلك()
6- تكريت : مدينة تقع على الضفة اليمنى لنهر دجلة شمال بغداد بالعراق.
جاء في معجم البلدان: وقيل سميت بتكريت بنت وائل . وهو اسم أمرأة فسمي الربض بأسمها ، ثم قيل قلعة تكريت ، نسبوها الى الربض()" – انتهى- ان من المعلوم ان اقدم الادلة الكتابية تشير الى ذكر تكريت في حدود القرن السادس عشر ق.م بصيغة (تـﮕريتونو URU tagritunu) واذا ماعرفنا بأن القلعة التي تمثل اقوى وأهم قسم من مدينة تكريت كانت تقوم على مرتفعين (فقيل لها (تكريتين بصيغة التثنية)() وبخصوص هذه الصيغة اختلف الباحثون في تخريجها ،ففي حين يقترح الباحث فاروق الراوي الموازنة بين كلمتي (تـﮕريتان) و(تـﮕريتين) الاكديتين وبين كلمتي (ثغران) و(ثغرين) العربيتين (بإبدال حرف الثاء تاءاً والغين جيماً معطشة مصرية) وهكذا مدينة تكريت هي ثغر- منطقة حدودية- لبلاد آشور عندما تتبع إدارياً لدولة آشور وثغر بلاد بابل عندما تتبع إدارياً لدولة بابل وهي الثغران لوجوده معقلين محصنين بها(). فيما يذهب الباحث فوزي رشيد مستنداً الى رأي الباحث المتخصص في الدرسات المسمارية (س.هورن) الذي أشار الى ان مركز المنطقة التي سكنتها قبيلة (ايتوءو itu'u) القبلية الآرامية البدوية كان يسمى ايتو itu ويتمثل بمدينة تكريت الحالية وهذه القبلية قاومت الآشوريين وقاتلهم منذ عام 885 ق.م وحتى عام 745 ق.م أي انها استمرت تقاتل الآشوريين وترفض الخضوع لسيادتهم مدة (140)سنة وتاسيساً على هذا الاستنتاج اذا صح افتراض الباحث (س.هورن) بأن مركز تجمع قبليه (إيتوءو itu'u) قبل انضمامها الى الدولة الآشورية كان يسمى "itu" فإن الاسم (تـﮕريتو tagritu) مؤلف من" itu'a و tagri " التي هي صيغة اسمية مذكّرة مزيدة التاء من المصدر "geru" وبمعنى "المقاتل" أو "المقاتلة" ، وباضافة "itu" اليها تحولت الى صيغة اسمية مؤنثة() وان ماذكر اعلاه ينفي ويقوّض كل القصص المفتعلة التي ذكرت في المصادر الكلاسيكية (اليونانية والرومانية) والمصادر الساسانية التي أخذ عنها الكتّاب والجغرافيون العرب الأوائل والتي ذكرها الرحالة والمستشرقون وقسم من الكتّاب المحدثين الذين نقلوا عنهم وحاولوا إلصاق اسم مدينة تكريت بأسم احدى بنات القبائل العربية النصرانية اللاّتي تزوجن من احد الملوك او القادة الفرس الذي كان على الديانة الزرادشتية المجوسية().
في حين يذهب الباحث بولص بهنام "ان اسم مدينة تكريت متأت من صيغة (تـﮕريت) التي تعني في اللغة السريانية (المَتْجَر) لموقعها الجغرافي الذي جعلها وسطاً تجارياً مرموقاً، وازدهار تجارتها ازدهاراً عظيماً ، حتى ان تجارها كانوا يجلبون التوابل اليها من الهند ويبيعونه في هذه البلاد"() .
7- جَلولاء: مدينة تقع في محافظة ديالى شرقي العراق.
جاء في معجم البلدان: "سميت جلولاء الوقيعة لمّا اوقع بهم المسلمون ؛ وقال سيف:قتل الله ، عز وجل، من الفرس يوم جلولاء مائة الف فجللت القتلى المجال بين يديه وماخلفه، فسميت جلولاء لِما جَلّلها من قتلاهم ، فهي جلولاء الوقيعة"() .والحقيقة ان اسم جلولاء قد سبق الفتوحات الاسلامية لهذه المدينة بزمن ليس بالقليل.ويذهب الباحث postgate الى الاعتقاد ان بعض المواقع الجغرافية التي وردت في النصوص المسمارية والمنتهية بالمقطع ate ،آلت في اللغة العربية فيما بعد الى اسم ينتهي بالهمزة (مهموزاً) وساق لنا من بين اسماء هذه المدن مدينة (ﮔناناتي gananate) التي تحولت الى جلولاء().فاذا سلمنا بأن اصل اسم جلولاء منحول من صيغة الجمع المؤنث في اللغة الاكدية (ﮔناناتي gananate) وهي من الجذر اللغوي (ﮔنّو gannu) التي تعطي لها المعاجم ذات العلاقة معنى: الحدائق او البساتين() وهي ماتشتهر به بالفعل جلولاء بكثرة بساتين الفاكهة فيها الى يومنا هذا.
8- حَرّان: وهي مدينة تقع الى الجنوب الشرقي من اورفا جنوب شرقي تركيا حالياً.
ويعطي ياقوت تخريجان لأصل اسم المدينة ،الأول يبدي فيه احتمالاً مشتق من جذر ووزن الاسم فضلاً عن صيغة الإتباع فيقول "يجوز ان يكون فَعّالاً من حَرَنَ الفَرَس اذا لم يَنْقَدْ ويجوز ان يكون فعلان من الحرّ،يقال رجل حرّان اي عطشان ، اصله من الحرّ،وإمرأة حَرّى وهو حَرّان يَرّان() اي مصدر مبالغة ممّن اصابه وأعياه الحرّ والحرارة وحتى هذا التأصيل لم يستبعده الباحث عبد الله الحلو واعطى امكانية اشتقاقه من جذرحرّ(اي الحرارة) معنى المكان الحار().ثم يعود ياقوت ليورد لنا تخريجاً آخر لايخلو من الطابع الاسطوري حيث نقرأ:"وقيل سميت بهاران أخي ابراهيم عليه السلام لأنه أول من بناها فعربت فقيل حرّان"()
والحقيقة ان كلا التخريجان لايمتّان بصلة الى الاصل اللغوي للاسم والاصل ان وظيفة المدينة وموقعها هو من اعطى لها صبغة غلبت عليها، حيث ان هذه المدينة هي من المدن الموغله بالقدم وترد في النصوص المسمارية منذ الألف الثالث قبل الميلاد اي ان اسمها كان موجوداً قبل عصر ابراهيم الخليل الذي يفترض الباحثون وجوده في العصر البابلي القديم واستمر ظهورها في كل العصور التاريخيه اللاحقة حيث تأتي بصيغة (خَرّانو harranu) واللفظة لها مدلولان في اللغة الاكدية ،الاول: هو الطريق او ملتقى الطرق() والثاني هو مكان الاعمال والتبادل الاقتصادي والواقع انه ليس هناك اختلاف جوهري بين المدلولين اذ كانت للمدينة صفة المحطة التجارية() وتأتي في السريانية بشكل أو وتقرأ : حاران.ومن المعروف ان المدينة كانت بالفعل محطة مهمة على مر العصور للقوافل والحملات كما تفصح بذلك النصوص القديمة().
9-حلب : مدينة تقع شمال غربي سوريا .
جاء في معجم البلدان : (قال الزجاجي: سميت حلب لأن ابراهيم عليه السلام كان يحلب فيه الغنم في الجمعات ويتصدق به فيقول الفقراء حلبَ حلبَ ، فسمي به) الا ان ياقوت يتحفظ على هذه الرواية بعد ايراده لها ، ليقول قلت انا : وهذا فيه نظر لأن ابراهيم عليه السلام وأهل الشام في ايامه لم يكونوا عرباً انما العربية في ولد ابنه اسماعيل عليه السلام وقحطان ثم يعود ياقوت ليلمح باحتمالية صحة اشتقاق الاسم من (الحلب والحليب) استناداً للروابط والوشائج بين اللغات العبرية والسريانية من جهة واللغة العربية من جهة اخرى وهي اللغات التي نعرفها حالياًُ باللغات السامية، ليستدل قائلاً: (على ان لإبراهيم في قلعة حلب مقامين يزاران الى الان ، فان كان لهذه اللفظة اعنى حلب، اصل في العبرانية او السريانية لجاز ذلك لأن كثيراً من كلامهم يشبه كلام العرب لايفارقه إلاّ بعجمه يسيره كقولهم كَهَنّم في جهنم)() انتهى .اما تفسير الاسم فمسألة لايوجد لها حل مقنع واكيد، اذ انه لو ورد ذكره في المصادر ماقبل العربية بلفظ مشابه للفظه العربي المعروف لكان من الممكن اعتبار هذه التسمية مشتقة بالاصل من الا الحليب فعدا عن كتابته بالخاء بدل الحاء مما لا يعتبر مشكلة اساسية نجد انه يرد في النصوص المسمارية احياناً بشكل (خلب halab) واحياناً اخرى بالباء المهموسة (p) اللاتينية (خَلَب halap) كما يرد منتهياً بالألف مثل (خلبا) او (خلبا) ومثل ذلك في النصوص المصرية القديمة التي استخدمت عدا عن ذلك الراء بدلاً من اللام (خرب او خرب) وبالنظر لما ذكر لايستبعد ان تكون للتسمية علاقة باشتقاق اكدي المنشأ من لفظه (خليو halpu) التي تعني (حجارة) والواقع ان منطقة حلب معروفه بمقالعها الحجرية) اضافة لمعنى اخر هو (البرودة والجليد) او من لفظة مشابه هي (خلبو) التي تقابل بالسريانية التي تعني الصفصاف()
10- حلوان : وهي مدينة تقع على نهر ألوند بالقرب من قصر شيرين الى الجنوب من مدينة سربول زوهاب في محافظة كرمنشاه غربي ايران.
جاء في معجم البلدان "وقبل انها سميت بحلوان بن عمر بن الحاف بن قضاعة كان بعض الملوك اقطعة اياها فسميت به().ولاصحة لنسبة حلوان الى رجل من قبيلة قضاعة العربية من قريب او بعيد لأن حلوان لم تطأها اقدام العرب وتستوطنها قبل الفتح العربي الاسلامي للمدينة عام 19 هـ وتحديداً قبيلة بجيلة ومنهم الصحابي جرير بن عبد الله البجلي وعقبه()، ومن الجدير بالذكر ان حلوان وردت في النصوص منذ عصور قديمة اذ وردت في النصوص المسمارية التي تعود الى العصر البابلي والآشوري الوسيطين()، وكذلك في نصوص العصر الآشوري الحديث()والمتأخر() وجميعها تأتي بصيغة (خلمانو halmanu) وكذلك تأتي بصيغة ارمانو armanu و أروانو arwanu()الذي يبدو ان اسمها مشتق من هذه الكلمة التي تعني بالأكدية (شجرة وفاكهة المشمش) وهي ماتشتهر به بالفعل من فاكهة المشمش فضلاً عن عنبها (الحلواني) والرمان منذ اقدم الازمان قال عنها ياقوت الحموي :" وبها رمان ليس في الدنيا مثله"()
11-خازر: هو احد روافد نهر الزاب الاعلى في العراق.
جاء في معجم البلدان "خازر: .. كأنه مأخوذ من خَزَرَ العين وهو انقلاب الحدقة نحو اللحاظ: وهو نهر بين اربل والموصل ثم بين الزاب الاعلى والموصل"() وبطبيعة الحال فإن هذا التخريج يغلب عليه التخمين والحدس، دون الجزم والقطع، والحقيقة ان اصل الاسم لا علاقة له بخزر العين، ولعل الاصل متأت اما من الغزارة اي الكثرة() او من المؤازرة او الرّفادة() لأنه يرفد نهر الزاب الاعلى بكميات كبيرة من المياه حيث يصب فيه جنوب منطقة الكلك ومن الجدير بالذكر ان اسم هذا النهر حافظ على تسميته منذ العصر الآشوري الحديث حيث ورد بصيغة (خازر hazur) ()
12-خيبر: وهي مدينة تقع شمال
المدينة المنورة في الجزيرة العربية.
جاء في معجم البلدان: خيبر (...واما خيبر فهو بلسان اليهود الحصن)() ثم ساق لنا رواية تسرد سلسلة نسب اسطورية تصل الى نوح عليه السلام :(وذكر ابو القاسم الزجاجي انها سميت بخيبربن قانية بن مهلائيل بن ارم بن عبيل اخو عاد بن ارم بن سام بن نوح عليه السلام وهو عم الربذة وزرود والشقرة بنات يثرب وكان اول من نزل هذا الموضع () ويبدو ان الوضع جليّ وواضح في هذه الرواية حيث يقرن مختلقها اسماء ثلاث قرى تقع في محيط المدينة المنورة وهي (الربذة) و(زَرود) و(الشقرة) ويجعلهن بنات امراة تدعى (يثرب) اشارة الى مدينة يثرب (المدينة المنورة)، ومن الجدير بالذكر ان هذه المدينة وردت في النصوص المسمارية من العصر البابلي الحديث بصيغة (خيبرا hibra ) () حيث جاءت في كتابات الملك البابلي نبو نائيد في سياق ذكره لعدد من الواحات والمدن إبّان اقامته الطويلة في (تيماء) لمدة 10 اعوام وهجره العاصة بابل() وهذه المدن تقع شمال غربي الجزيرة العربية مثل دادانو dadanu (العُلا حالياً) وتقع جنوب غرب تيماء، وباداكو padaku (فَدَك الحالية) وخيبرا hibra (خيبر الحالية) وتبعد 40 ميل جنوب تيماء ، وياديخو iadihu (بديع-الحويّط-) بين فدك وخيبر، ويتربو iatribu (يثرب– المدينة المنورة-)
13-دمشق الشام:وهي عاصمة الدولة الاموية في العصور الوسطى وعاصمة سوريا حالياً.
ينقل لنا ياقوت الحموي روايات عديدة في اصل تسمية دمشق لاتعدوا جميعها ان تكون ضرباً من الاساطير والتخمينات حيث جاء "قيل : سميت بذلك لأنهم دَمْشَقوا في بناءها أي: اسرعوا"() ثم يورد رواية اخرى لم تختلف عن سابقاتها في التخريج حيث نقرأ: "قال اهل السير : سميت دمشق بدماشق بن قاني بن مالك بن ارفخشد بن سام بن نوح عليه السلام فهذا قول بن الكلبي() ثم يذكر روايتين اخريتين للتسمية: "وقيل ان العازر غلام ابراهيم ،عليه السلام بنى دمشق وكان حبشياًوهبه له نمرود بن كنعان حين خرج ابراهيم من النار وكان يسمى الغلام دمشق فسماها بأسمه ،وكان ابراهيم عليه السلام ،قد جعله على كل شيء له وسكنها الروم بعد ذلك وقال غير هؤلاء : سميت بدماشق بن نمرود بن كنعان وهو الذي بناها وكان معه ابراهيم وكان دفعه اليه نمرود بعد ان نجى الله تعالى ابراهيم من النار؛ وقال آخرون: سميت بدمشق بن ارم بن سام بن نوح عليه السلام وهو اخو فلسطين وايلياء وحمص والاردن وبنى كل واحد موضعاً فسمى به "(). والحقيقة ان الروايات الاربع لا علاقة لها بأصل التسمية ويستعرض الباحث عبد الله الحلو الاشكال المختلفة التي ورد فيها الاسم في المصادر القديمة : ففي الكتابات المسمارية لألواح تل العمارنة من الألف الثاني ق.م وكذلك في النصوص الآشورية من الالف الاول ق.م ترد بصيغة دمشقا dimašqa، اما في عبرية التوارة فترد بصيغة دَمّاسق وفي اماكن اخرى مع حرف الراء مثل درماسق واللفظ الاخير مع الراء يشبه شكل الاسم في السريانية دَرْمْسوق ، ان ورود الاسم مع الراء سواء في النصوص العبرية او السريانية تدل على ان الراء ادمغت احياناً ونتج عن ذلك لفظ الاسم بتشديد الميم مما يدل على ان هذه الراء هي من اصل الاسم واستناداً الى الصيغة المسمارية والعبرية والسريانية ، يتضح ان الاسم يعود في الاصل الى مركب هو + دارمشقى ، اهملت منه الراء في الكتابات المسمارية وبقيت او ادغمت في الكتابات العبرية او السريانية ،ويخلص الباحث الحلو الى نتيجة نهائية وهي ان هذا المركب لا يحتمل الا تفسيراً واحداً هو (الديار المسقيّة) والواقع انه تعبير ينطبق على دمشق وغوطتها منذ أقدم الازمنة().
14- دومة الجندل: مدينة تعرف حالياً بـ(الجوف) وتقع شمال غرب المملكة العربية السعودية.
يورد ياقوت روايتين لأصل التسمية ، حيث يقول: "سميت بدوم بن اسماعيل بن ابراهيم ، وقال الزجاجي : دومان بن اسماعيل ، وقيل : كان لاسماعيل ولد اسمه دُمّا ولعله مغير منه، وقال ابن الكلبي: دوماء بن اسماعيل قال : ولما كثر ولد اسماعيل ، عليه السلام، بتهامة خرج دوماء بن اسماعيل حتى نزل موضع دومة وبنى به حصناً فقيل دوماء ونسب الحصن اليه() وفيما يخص الاسم الثاني (الجندل) يذكر ياقوت : " وسميت دومة الجندل لأن حصنها مبنى بالجندل"() اي بالحجارة والحقيقة ان ظاهرة الحاق اسماء وانساب اسطورية ترجع الى نوح او غير من الانبياء كابراهيم واسماعيل() شائعة عند البلدانيين العرب ،اذا ماواجهوا صعوبة في تفسير اصل اسم المدينة ،وهذه المدينة هي من المدن التي جاء ذكرها في النصوص المسمارية من العصر الآشوري الحديث وتأتي بصيغة (ادوماتو (adummatu() ومهما يكن من امر ،فان كان اصل التسمية منسوب الى احد ابناء اسماعيل عليه السلام او الى اسم علم لهذا الاسم فهو من الاسماء الشخصية الواردة في التراث العبراني والكنعاني والإّ فانه اي الاسم يعد من المشترك اللغوي السامي اي انه من المفردات ان الشائعة في اللغات السامية ومنها اللغة الاكدية التي يرد فيها بصيغة (اداماتو adamatu) او ادوماتو adumatu) ويعني :التربة السوداء القاتمة التي تستخدم صبغة () وفي العربية الأديم=وجه الارض وجلد الحيوان يدعى أدماً. وتأسيساً على ما تقدم يمكن ان يكون اصل التسمية الارض السمراء المحصنة بالحجارة (الجندل) او (حصن دومة الحجري) نسبة لشخص يدعى دومة.
15-سامراء: ( سُرَّ مَنْ رأى)، لقد قيلت في اشتقاق اسم سامراء ، المدينة التاريخية المعروفه والتي اسسها المعتصم بالله ثامن الخلفاء العباسيين (218-227 هـ/833-842م) تعليلات مختلفة ،بعضها من قبل التعليل الجماهيري ،مثل ان اسمها مأخوذ من العبارة (سُرَّ مَنْ رأى)() ويورد ياقوت على سبيل المثال روايات خرى تنسب اسم المدينة الى سام من نوح حيث جاء في معجم البلدان :"وقيل انها مدينة بنيت لسام فنسبت اليه بالفارسية سام راه وقيل : بل هو موضع عليه الخراج ، قالوا بالفارسية :ساءِ مُرّة اي : هو موضع الحساب، وقال حمزة: كانت سامراء مدينة عتيقة من مدن الفرس تحمل اليها الاتاوة التي كانت موظفة لملك الفرس على ملك الروم، ودليل ذلك قائم في اسم المدينة لأن سا اسم الاتاوة ،ومرة اسم العدد والمعنى انه مكان قبض عدد جزية الروم وقال ابراهيم الجنيدي : سمعتهم يقولون ان سامراء بناها سام بن نوح عليه السلام وقال الزجاجي: قالوا كان اسمها قديماً ساميرا سميت بسامير بن نوح كان ينزلها لأن أباه اقطعه إيّاها فلما استحدثها المعتصم سماها سرّ من رأى(). والحقيقة ان اسم المدينة ورد في النصوص المسمارية بصيغتين : الأولى جاء بصيغة (ﮔور-مَرّيتي gurmarriti) () في نصوص العصر الآشوري الوسيط() في حين ورد الاسم في نصوص العصر الآشوري الحديث والبابلي الحديث والمتأخر بصيغة (سُرمَرّاتي surmarrtati)() والصيغة الاخيرة تكاد تكون قريبة من الصيغة التي عرفها العرب بها فيما بعد ،
وشاعت عندهم مما يدل على انهم تصرفوا بالصيغة قليلاً واخضعوها لأوزانهم ظناً منهم
انها تعني بصيغتها الاصلية (سُرّ من رأى) في حين ان معناها في الاكدية هو : القناة او الجدول المُرّ() ويذهب الباحث بوستكيت postgate الى الاعتقاد ان كل مدينة جاءت في النصوص المسمارية منتهية بالمقطع ate آلت في اللغة العربية فيما بعد الى اسم ينتهي بالهمزة (مهموزاً)، وضرب مثال على ذلك اسم مدينة سورمَرّاتي surmarrate التي اصبحت سامراء وﮔناناتي gananate التي غدت جلولاء()
16-سنجار:مدينة تقع الى الغرب من الموصل في العراق.
جاء في معجم البلدان في تأصيل اسم سنجار : "ويقولون ان سفينه نوح عليه السلام لمّا مرت به نطحتة فقال نوح : "هذا سِنٌّ جَارَ علينا فسميت سنجار"() ولكن ياقوت وهو يورد هذه الروايه مايلبث ان يتحفظ على هذا التخريج اذ يردف بعد ايراده الرواية قائلاً : ولستُ احقّق هذا والله اعلم به، إلاّ ان اهل هذه المدينة يعرفون هذا صغيرهم وكبيرهم ويتداولونه"() ثم يستطرد ياقوت بعد ذلك بإيراده رواية اخرى لا تختلف عن سابقتها في ضحالة التأصيل والبعد الاسطوري التي نسجت لها حيث نقرأ : قال ابن الكلبي : انما سميت سنجار وآمد وهيت بأسم بانيها وهم بنو البلندي بن مالك بن دُعْر بن يويب بن عنقاء بن مدين بن ابراهيم عليه السلام ويقال سنجار بن دعر نزلها "() ثم يسوق لنا ياقوت رواية اسطورية اخرى مقترنة بحادثة طوفان نوح عليه السلام ولكن نوح هنا يطري ويبارك لجبل سنجار ، ولا يذمه كما قرأنا في الرواية الاولى : "وذكر احمد بن محمد الهمذاني قال : ويقال ان سفينة نوح نطحت في جبل سنجار بعد ستة اشهر وثمانية ايام من ركوبه اياها فطابت نفسه وعلم ان الماء قد اخذ ينضب فسأل عن الجبل فأخبر به، فقال : ليكن هذا الجبل مباركاً كثير الشجر والماء ! اثم وقفت السفينة على جبل الجودي بعد مائة واثنين وتسعين يوماً فبنى هناك قرية سماها قرية الثمانين() لأنهم كانو ثمانين نفساً، وقال حمزة الاصبهاني: سنجار تعريب سنكار ولم يفسره().
وإذا ما استثنينا رواية جَوْر السّن على سفينة نوح او الرواية الاخرى أن بانيها رجل يدعى سنجار بن دعر وكلا الروايتين سطحيتان ولايعتد بهما باستثناء رواية الاصبهاني الذي يشير ان سنجار هي تعريب لصيغة سنكار ولعل الاصبهاني اصاب الحقيقة مع انه سكت عن تفسير الاسم ولعله قصد بـ سنكار بالكاف الجيمية او المعطشة (المصرية g) لأنها الصيغة التي كانت تعرف بها في فترة ماقبل الاسلام وهي الصيغة التي احتفظت بها منذ العصر الآشوري الحديث التي وردتنا في النصوص المسمارية من ذلك العصر بصيغة (سنـﮔارا singara)() في حين ان جبل سنجار عرف في العصر الاقدم منها وهو العصر الآشوري الوسيط بصيغة (خار HAR)() واستناداً الى الصيغة التي ورد فيها الاسم بصيغة (خار HAR) وهي الصيغة الاسبق من صيغة سنـﮕار فالكلمة تعني باللغة السومرية والاكدية على حد سواء : الجبل او الحدّ او الجرف او السلسلة الجبلية() واذا ما انتقلنا الى تأصيل الصيغة الاخرى والتي شاعت منذ العصر الآشوري الحديث وما تلاها الى اليوم (سنـﮔارا singara)، فالذي نعتقده أنها ربما تكون صيغة وصفيه للجبل ، كأن يكون معناه حافة الجبل المنحوت اوالجبل المنحوت كحدّ الرمح او الخنجر فمن المأثور في الحوليات الآشورية تشبيه حافة وحد الجبال واطرافها بالرمح أو الخنجر كما في حوليات الملك آشور ناصر بال الثاني وسرجون وغيرهما لأن الاسم ربما مكون او منحوت في الاصل من مقطعين ،الاول (سن sin) وهو من جذر ومادة (سنو sinnu)() التي تعني من بين معانيها موضع النحت او السن او الشحذ من اي مادة معدنية كالخنجر والرمح والمقطع الثاني (ﮔار gar) من جذر (ﮔرّءوتو garra'utu) بمعنى نَحَتَ او قَطَعَ () .ومن الجدير بالذكر ان بعض الباحثين حاولوا ايجاد تأصيل لاسم سنجار ومن بينهم الباحث جمال بابان الذي ناقش الاسم واشبعه من جميع الأوجه والاحتمالات اللغوية بتخريجات مختلفة ولكنها كانت تدور بمجملها حول تفسيرات محلية اي الى اعتقاد السكان المحليين ، او الى تخريجات من اللغة الكردية كأن تكون مشتقة من اسم (شنـﮕال shengal او شه نـﮕار shengar) وهو مايتلفظون به اكراد تلك المنطقة لأسم سنجار والذي يعني من بين معانيه (الجهة الجميلة او الطرف الجميل او الراية الجميلة او النار الجميلة) او
(ﮋه نـﮕار) بالزاي الجيمية ( ﮋ) في اللغة الكردية ... ، الذي يتلألأ عندما تسقط عليه اشعة الشمس وذلك بسبب وجود المعادن فيه كالحديد مع ان (ﮋه نـﮕار) في اللغة الكردية (تعني الشيء الصدء او المزنجر) ، او انه مشتق من الكلمة الكردية (آسنـﮕار أو-ئه سنه ﮔار) اي موضع الحديد في اللغة الكردية () والتخريج الاول يكاد يلامس الواقع والاصل اللغوي للاسم وخاصة في ذكره لكلمة طرف او الجهة ، اما التخريج الاخير فغير دقيق لأن معدن الحديد في الاكدية (الاشورية –البابلية) هو ﭙرزلّو parzillu
().
17- صيداء (صيدا): مدينة تقع على ساحل البحر المتوسط جنوبي لبنان .
ويعطي ياقوت الحموي اربعة تفسيرات لتأصيل اسم صيدا، الثلاثة الاولى من باب التخمين والاشتقاق اللغوي ولكنها بمجملها لم تصب كبد الحقيقة اللغوية ،حيث يذكر: وما اظنه إلا لفظة اعجمية الا ان اصلها في كلام العرب على سبيل الاشتراك ؛ قال ابو منصور : الصيداء حجر ابيض يعمل منه البرام جمع بُرمَة ، وقال النضر: الصيداء الارض التي تربتها أجزاء غليظة الحجارة مستوية الارض. وقال الزجاحي : اشتقاقها من الصيد، يقال : رجل أصيد وأمراة صيداء وهو ميل في العنق من داء وربما فعل ذلك الرجل كبراً () . ثم ساق لنا رواية عن نسب مزعوم ينتهي كالعادة بنوح عليه السلام "قالوا : سميت بصيدون بن صدقاء بن كنعان بن حام بن نوح ،عليه السلام، قال هشام عن ابيه: إنما سميت صيداء التي بالشام بصيدون بن صدقاء بن كنعان بن حام بن نوح، عليه السلام"() وليت الذي وضع لنا هذا النسب المزعوم جعل بني كنعان (الكنعانيون) من ابناء سام بن نوح ،ولكن يبدو انه متأثر بالاسرائيليات حيث جعل كنعان من ابناء حام بن نوح كما جاء في الاصحاح العاشر من سفر التكوين الذي اقصى الكنعانيين عن المجموعات البشرية التي سميت بالسامية ،وهذا اضطراب وخلط من سفر التكوين، "في حين يمثل الكنعانيون اول هجرة من هجرات الاقوام التي سميت بالسامية التي جاءت اصلاً من شبه الجزيرة العربية واستقرت منذ اقدم العصور في بلاد الشام في ارض كنعان وهي المنطقة التي عرفت فيما بعد بفلسطين ، وبذلك فانهم ،اي الكنعانيون يمثلون اقدم سكان ارض فلسطين المعروفين حتى الان، يؤيد ذلك الاسماء الكنعانية الاصل التي تحملها اهم المدن التي قامت في هذه المنطقة مثل اريحا وبيت شان (بيسان) ومجدو
واورشليم (القدس) وجازر وغيرها() ومن الجدير بالذكر ان اسم المدينة يرد في المصادر القديمة كالفينيقية والمسمارية والآرامية $والسريانية بصيغة (صيدون). ويلاحظ ان اسم المدينة كان في الاصل ينتهي بحرف الواو والنون (ون) وهي ربما تكون نهاية ظرفية –مكانية –اوصيغة تصغير كنعانية كما هو معروف بالآرامية. والاسم بالاساس يعود الى الجذر (صيد- صاد) وله مدلول : مكان الصيد – صيد البحر . ولكن من المعروف ان احد الالهه الفينيقية والذي هواله الصيد كان له نفس الاسم اي (صيدون) فهل دعيت المدينة في الاساس بهذا الاسم نسبة للصيد أي – مَسْمَكة- ولكثرة الاسماء هناك ،ام انها اعطيت اسم إله الصيد؟... ()
18-عَمّان: غنية عن التعريف وهي اليوم عاصمة المملكة الاردنية الهاشمية.
يورد ياقوت رواية عن بعض اليهود في اصل تسمية عَمّان ،الا ان ياقوت يكاد يتحفظ على هذه الرواية لكنه على كل حال يرويها حيث يقول : "وذكر عن بعض اليهود انه قرأ في بعض كتب الله : ان لوطاً عليه السلام ، لما خرج بأهله من سدوم هرباً من قومه التفتت امراته فصارت صبّار ملح وصار الى زُغَر () ولم ينجُ غيره واخيه وابنتيه وتوهم بنتاه ان الله قد أهلك عالمه فتشاورتا بأن تقيما نسلاً من ابيهما وعمهما فاسقتاهما نبيداً وضاجعت كل واحدة منها واحداً فحبلتا ولم يعلم الرجلان بشيء من ذلك وولدت الواحدة ابناً فسمّته عَمّان اي: انه من عَمّ، ولدت الاخرى ولداً فسمته مآب اي انه من أب فلما كبرا وصارا رجلين بنى كل واحد منهما مدينة بالشام وسماها بإسمه ، وهما متقاربتان في بريّة الشام ، وهكذا كما تراه ونقلته كما وجدته، والله اعلم بحقه من باطله" (). وحاشا للانبياء وبناتهن ان يقترفون الزنا بالمحارم او السِّفاح. ولايمكن الركون بطبيعة الحال الى هذا التفسير التخميني والمخدش للحياء والمسيء للانبياء ،ومهما يكن من امر فإن البحث العلمي في علم اللغة هو من يحسم الامر، فالمدينة تُعد من المدن الكنعانية القديمة.ومثلها تلك المدن التي كانت اسماؤها تلفظ وتكتب بالواو وليس بالالف اي ان الاسم القديم كان ( :عَمّون) وبهذا الشكل ورد ايضاً في السريانية () ولكن غالباً ما كان يقال قديماً:
(
) بني عَمّون"أو: ربة بني عَمّون-اي عاصمة بني عَمّون". اي ان من خاصية هذا الاسم ايضاً ان الواو فيه تحولت الى ألف – مثل اسماء لبانون=لبنان ، حشبون=حسبان، ذيبون=ذيبان، وغيرها كثير()، ولكن من الملاحظ ان هذا التحول في هذا الاسم قد وجد له اصول سبقت العربية.كما ترد في النصوص المسمارية الآشورية بصيغة ( بيت – أمّانا
bit-ammana)() والتسمية تعود في اشتقاقها الى لفظ (:عم) التي تعني: ، الشعب ، ومن جهة اخرى تعني العم-كما في العربية اما نهاية الواو والنون في (عَمّون) فتعبّر هنا عن صيغة التصغير الكنعانية ولكن من المتعذر الجزم فيما اذا كان التصغير من كلمة (الشعب) او من (العمّ) ومع ذلك فإن المرجحّ الاولى-أي: الشعب الصغير()
19- غزة: غنية عن التعريف، فهي من اهم مدن الساحل الجنوبي في فلسطين.
ينقل لنا ياقوت رواية اسطورية في اصل اسم غزة حيث نقرأ: "قال أبو المنذر غَرّة كانت إمرأة صور الذي بنى صور مدينة الساحل قريبة من البحر" () .
ولاقيمة لهذا التخريج في اصل اسم المدينة. إلاّ أن أقدم أشكال الاسم هو مايرد بالمسمارية في ألواح (تل العمارنة) من الالف الثاني ق. م، بصيغة (خَزّاتي hazzati) وفي مكان آخر بصيغة (أزّاتي azzati)مما يشير الى نطق الاسم بالغين والعين على السواء.ثم منها مايرد في المسمارية الاشورية مشيراً الى لفظه بالغين أيضاً بصيغة خَزَاتو hazzata أما في المصادر السريانية فيرد باللفظين " ﮔزّا و عزّا " ومن الطبيعي أن يرد في عبرية التوراة بالعين " عَزّا" ولكن رغم ذلك يبدو أن الاسم كان فعلاً يلفظ بالغين غالباً، والدليل عدا عما سبق هو إنتقاله إلى اليونانية بالـG وليس بالأَلْفا A اي "Gaza " وليس" Aza" ومع أن الاسم كان – كما رأينا – ومازال يلفظ بالغين فإن التفسير الوحيد له هو من خلال لفظه بالعين، أي ردّه إلى الجذر السامي المشترك ": عز" بمعنى قوي وامتنع وعزَ ... ولايرُى مدلولاً انسب من
المدينة الممتنعة أو ماشابه " (). ويعطي الباحث حسين الداموني الجليلي تخريجات اخرى لأصل الاسم، حيث يذكر "ان اسمها قد يعني "القوي" أو "المخَازن" أو "الكنوز" أو "مايُدخر"().
20- فلسطين: اشهر من أن تعرف وتشكل إحدى بلاد الشام الاربع (سوريا ولبنان والاردن وفلسطين) ويحدها البحر المتوسط من جهة الغرب.
جاء في معجم البلدان : (... وقيل: إنها سميت بفلسطين بن سام بن إرم بن سام بن نوح، عليه السلام، وقال الزجاجي: سميت بفلسطين بن كلثوم من ولد فلان بن نوح، وقال هشام بن محمد نقلته من خط جخجخ: إنما سميت فلسطين بفليشين بن كسلوخيم من بني يافث بن نوح، ويقال: ابن صدقيا بن عيفا بن حام بن نوح ثم عُرّبت فليشين. وفي كتاب ابن الفقيه: سميت بفلسطين بن كسلوخيم بن صدقيا بن كنعان بن حام بن نوح)(). وهذا التخريج يتجافى عن الصواب، ولايمكن أن يكون إلاً من قبيل التفسير الجماهيري أو حتى الاسطوري، فصيغة الاسم العربية "فلسطين"هي استمرارية للصيغة الآرامية والسريانية بحرفيّتها"- " وإذا ماعدنا إلى الكتابات المسمارية الآشورية وجدنا الاسم يرد بشكل " Pilistu ﭙـِلِسِتو" غير أن الصيغة العربية وسابقتها الآرامية السريانية تستند (ماعدا بعض التغييرات الصوتية) إلى اللفظة الواردة في عبرية التوراة (سفر التكوين: 10: 14 ومواضع اخرى كثيرة) بشكل ": فْلشِْتيم" ولكن هذه – استناداً لقواعد العبرية – تعني بالواقع (الفلسطينيين) وليس (فلسطين) ومفردها "$: فْلِشْتي" أي فلسطين بحيث أن هذه النسبة تعود الى الصيغة العبرية ": فَْلِشتْ" والواقع أن كل الذين تعاملوا مع هذا الاسم حتى الآن لم تكن امامهم إلاَ طريقة واحدة في تفسيره – وهي غير موثوقة كما نعلم – ألا وهي الطريقة المعجمية بردّه إلى الجذر الثلاثي ": فَلَش" الذي يعني: اخترق وحَلً وقاتَلَ. بحيث تعني لهم التسمية: القادمون أو المقاتلون. ورغم كون هذا التفسير إفتراضياً بحتاً فإنه في الواقع يتعذر البحث عن أي تفسير آخر خاصة وإن هناك ثغرة أساسية في هذه المسألة هي أن الفلسطينيين القدماء لم يتركوا لنا أية نصوص مكتوبة بلغتهم تضيف شيئاَ إلى المواد التي بين أيدينا ().
21- كربلاء: غنية عن التعريف فهي مدينة مشهورة في العراق.
جاء في معجم البلدان محاولات لتأصيل اسم كربلاء ولكنها لاتعدو أن تكون من باب التخمين اللفظي ليس إلاّ حيث جاء: "فأما اشتقاقه فالكربلة رخاوة في القدمين، يقال: جاء يمشي مكربلاً، فيجوز على هذا ان تكون ارض هذا الموضع رخوة فسميت بذلك، ويقال: كَرْبلتُ الحنطة إذا هذّبتها ونَقّيتها، فيجوز على هذا أن تكون هذه الارض منقاة من الحصى والدغل فسميت بذلك، والكَربَل: اسم نبت الحُمّاض، فيجوز أن يكون هذا الصنف من النبت يكثر نبته هناك فسمي به، وقد روي أن الحسين (رضي الله عنه) لما انتهى الى هذه الارض قال لبعض اصحابه: ماتسمى هذه القرية؟ واشار الى العقر، فقال له اسمها العقر، فقال الحسين، نعوذ بالله من العقر ! ثم قال: فما اسم هذه الارض التي نحن فيها؟ قالوا: كربلاء، فقال: أرض كربٍ وبلاء! وأراد الخروج منها فمنع كما هو مذكور في مقتله حتى كان ماكان"().أن التخريجات المذكورة آنفاً هي تفسيرات تخمينية لغوية لم تصب حقيقة الاسم أو ان بعضها ينم عن التّطيّر والتشاؤم من مقاطعها التي توحي لغير العارف بأصل التسمية أنها ربما تعني من بين معانيها (أرض الكرب والبلاء). إلا ان اللافت في النص هو وجود قرية تدعى (العقر) في أرض تدعى (كربلاء) و (العقر) في اصطلاح الآثاريين هي الأوابد أو المكان المهجور او القديم مما يعني أن هذه القرية ومايحيط بها من أرض كربلاء ضاربة في الِقدَم، على الرغم من عدم ورودها في النصوص المسمارية؛ باستثناء مدينة وردت في النصوص المسمارية العائدة الى العصر الاشوري الحديث، بصيغة (كُربائيل kurbail) إلاَ ان موقعها يبتعد كل البعد عن كربلاء، لأن (كرُبائيل) طابقها الباحثون مع (تل كرباليوز) الذي يبعد 3كم غربي محافظة دهوك أو قضاء عقرة في المحافظة ذاتها شمالي العراق(). ومهما يكن من أمر فلعل اسم كربلاء مشتق من المصدر الاكدي (كرابو karabu) الذي يعني: (يمجد، يبارك، يكرّس، يقدم قربان)، يصون، يحفظ الإله)().وبذا يمكن ان يكون معنى الاسم (قربان الإله) أو (بركة الإله) أو (صلاة الإله) وغيرها لأن كلمة (إيل il او el) تعني في الاكدية (إله). أو أنه من المصدر الاكدي (كربلاتو karballatu) الذي يعني:_(محدّد، مُسنّن، مستدق الرأس، حاد، ثاقب) ().
22- الكرخ: المشهور منها هو الجانب الغربي من مدينة بغداد بالعراق.
أقترب ياقوت في تفسيره لأصل التسمية وحام حولها لكنه لم يحدد معناها بشكل دقيق حيث قال: "وما أظنها عربية إنما هي نبطية، وهم يقولون: كرخت الماء وغيره من البقر والغنم الى موضع كذا جمعته فيه في كل موضع" (). والحقيقة ان الاسم هو من المشترك اللغوي السامي والذي يرد بصيغتين هما: (الكرخ) و(الكرك) وهو اسم منتشر في عدة اماكن من بلاد الشام والعراق مثل الَكرَك في الاردن و (كرك نوح) في لبنان و (كرخا) في جنوب لبنان و (كركوك) و(كرخ بغداد) و(كرخ ميسان) في العراق. واللفظة وردت في النصوص المسمارية الاكدية (البابلية - الاشورية) بصيغة (كيرخُ kerhu) (). وفي الارامية " كْرَكْ" وتعني الكلمة: المكان المسوّر او المحصّن أو المسيّج، قلعة، حصن، جدار، سور. ()
23- كرمليس: مدينة تقع شرقي الموصل في العراق.
قال عنها ياقوت مخمّناً أصل التسمية من مصدر لغوي ظناً منه أنها تسمية منحوتة من كلمتي كَرْمٌ (عِنب) وليس (لا) حيث قال: "كأنّها مركبة من كَرْمٌ وليسَ" ().
ولياقوت عذره في هذا الوهم، فالرجل يخمن أصل الأسم، ولكن الصواب أن أصل إسم مدينة كرمليس يعود إلى اللغات العراقية القديمة ومنها الاكدية وتحديداً في لهجتها الاشورية، إذ أن أصل اسم المدينة هو (كار – مولّسّي kar- mullissi) () وهي صيغة في اللهجة الآشورية لكلمة (مولّيتو mullitu) () التي تضاهي الكلمة السومرية (ننليل NINLIL) وهي زوجة الإله (إنليل ENLIL) إلَه الهواء والجوّ، واُم الأله ننار (سين) إله القمر في إعتقاد العراقيين القدماء()، إذن فاسم مدينة كرمليس هي صيغة محوّرة من (كار – مولّيسّي Kar-mullissi) وتعني بالمجمل: حصن او مدينة الإلهة مولّيسّي – سيدة الهواء والجوّ-.
24- مَآبُ (موآب): كانت عاصمة المؤابيين المعروفة في العصر القديم والتي تقع الى الشرق من البحر الميت في الاردن وتعرف بقاياها اليوم (خربة الرّبّة).
جاء في معجم البلدان: " ... وهو في اللغة المرجع، وقد ذكر من اشتقاق هذا الموضع في عَمّان ما إذا نظرته عجبت منه" ().
إن كلام ياقوت هذا هي إشارة الى العهد القديم (الآية 30 – 38 من الاصحاح 19 من سفر التكوين) التي تتكلم عن أصل المؤابيين والعمونيين واشتقاق اصل اسم المدينتين الذي يستند الى هذه الاشارة. ولابأس من إعادتها هنا. :"وذكر بعض اليهود أنه قرأ في بعض كتب الله: أن لوطاً، عليه السلام، لما خرج بأهله من سدوم هاربامن قومه إلتفتت إمرأته فصارت صبار ملح وصار إلى زُغَر ولم ينج غيره، واخته وابنتيه، وتوهم إبنتاه أن الله قد أهلك عالمه فتشاورتا بأن تقيما نسلاً من أبيهما وعمهما فأسقتهما نبيذاً وضاجعت كل واحد منهما واحداً فحبلتا ولم يعلم الرجلان بشيء من ذلك وولدت الواحدة ابناً فسمته عَمّان أي أنه من عَمّ وولدت الاخرى ولداً فسمتّه مآب أيّ أنه من أب، فلما كبر وصارا رجلين بنى كل واحد منهما مدينة بالشام وسماها باسمه" (). وهذا التخريج مسيء للانبياء وبناتهن وأسباطهم ولكن من الافضل الإحجام عن هذا التفسير والركون الى علم اللغة، حيث نجد أنه بالرغم من أن المؤابية() لهجة كنعانية قديمة، إلا أن كل مايوجد منها عبارة عن بقايا لغة قليلة تتمثل بشكل رئيسي في نص محفور على نصب تذكاري، وعليه فإنها لاتقدم لنا مايسهل تفسير الاسم الذي يرد بالصيغة الثلاثية ": مأب" والذي يفترض أن كان يلفظ باللهجة المحلية مثلما ورد في السريانية وعبرية التوراة أي " -: مؤاب ولكن من الجدير بالذكر أن الاسم يرد في النصوص المسمارية الاشورية بلفظين أي بالفتح والضم "مآب ومؤاب" في آن واحد ولابد من الاشارة إلى أن التفسير التوراتي للاسم الوارد في سفر التكوين (الاصحاح 19: 30 - 38) والمتضمنة قصة لوط وابنتيه – والذي رواه ياقوت حرفياً كما رأينا – وهذا التفسير بقي في نظر أغلب المستشرقين مجرد رواية لاتستند على أساس علمي معقول. أما من الناحية اللغوية القواعدية فمازالت التسمية غامضة شأنها شأن الكثير من الاسماء القديمة(). في حين يذهب الباحث يحيى عبابنه ان أسم (مؤاب) يعني: من أب: من أبيه (). في حين يرى الباحث ان الاسم قد يعني ايضا (ماء الأب) وليس المقصود به (حيامن او نُطَف الأب) ولكن المقصود هو (عين ماء) أو (النبع) العائد للأب، لأن لفظة (مو) في اغلب اللغات السامية تعني "الماء" وكذلك (آب) تعني: "الأب" في ذات اللغات(). ويذهب الباحث بهاء عامر() إلى أنها مصاغة من المصدر الميمي أو اسم مكان من الفعل العبري () حيث تقلب الياء إلى واو، بمعنى الرجوع والعودة، وهي ما تشترك فيه مع العربية وسائر اللغات الجزرية (السامية)، حيث جاء في لسان العرب في مادة (أ و ب): الأوبُ: الرجوع، آب إلى الشيء: رجع، يؤوب أوباً وإياباً وأوبةً وأيبةً: رجع، وفي التنزيل العزيز: {وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ}[سورة ص: الآية 25] أي: حسن المرجع الذي يصير إليه في الآخرة()، فلا يستبعد أن يعني أصل أسم المدينة: المرجع.
25- ماردين: مدينة تقع في منطقة جزيرة بن عمر جنوب شرقي تركيا.
يجتهد ياقوت هنا ليعطي تفسيراً لاصل اسم المدينة منطلقاً في تخريجه هذا من باب التخمين ليس إلا مع اضفاء الجانب الاسطوري الذي لايغيب احياناً عن بعض مروياته فيقول: "كأنه جمع مارد، جمع تصحيح، وأرى أنها إنما سميت بذلك لأن مستحدثها لما بلغه قول الزَّبّاء: تَمَرّد مارد وعَزّ الأبلق، ورأى حصانة قلعتها وعظمها قال: هذه ماردين كثيرة لا مارد واحد"().
إن هذا التخريج من ياقوت، والقائل بأن بناءها واستحداثها يعود إلى فترة الزّبّاء (). وهي شخصية اسطورية نسجت حولها الاساطير واختلطت مع شخصية حقيقية هي ملكة تدمر زينب (زنوبيا في اليونانية واللاتينية) (267-272 م) يدحضه ورودها في عصور اقدم من ذلك بكثير، حيث وردت المدينة في النصوص المسمارية من فترة سلالة اور الثالثة (2200-2006 ق.م) بصيغة (مَرْدمان mardaman) () كما استمر ظهورها في النصوص في عصور اخرى ومنها العصر الاشوري الحديث بصيغة (مارديانيmardijane ) () والواقع أنه يتعذر تقديم تفسير دقيق ومقنع للإسم، إلا انه ربما يكون الاسم مشتقاً من المصدر الاكدي (مارديتو marditu) الذي سقط منه حرف النون الساكن وادغم بالتدوين لضعفه ولمجئ حرف التاء بعده()، وكلمة (مارديتو marditu) تعني من بين معانيها (محطة استراحة، محطة بريد، طور، مرحلة، حَدّ، مسيرة، سير) ()، وليس من المستبعد أن تعني (محطة استراحة) أو (محطة بريد) فهي بالفعل كانت هي ومدينة حرَان وغيرها تشكلان وعلى مرَ العصور محطة مهمة من محطات طرق التجارة بين بلاد الرافدين وشمالي سوريا وبلاد الاناضول(). كما يعني الاسم كذلك بالاكدية: (درجة أو منصّة) ()، فإن كان هذا هو أصل التسمية فهو مايتطابق بالفعل مع واقعها التضاريسي والجغرافي والعمراني من جهة ومع وصف ياقوت الحموي لها ولعمارة منازلها من جهة اخرى حيث قال عنها: "بأنها قلعة مشهورة على قنّة جبل الجزيرة (جزيرة بن عمر التغلبي) "ودورهم كالدرج كل دار فوق الاخرى وكل درب منها يشرف على ما ماتحته من الدور وليس دون سطوحهم مانع"(). فيما يرى الباحث بهاء عامر أنها تأتي في السريانية أيضا بصيغة مردا لتعني (حصن، قلعة) وحين تأتي بصيغة جمع المذكر النكرة تأتي بصيغة مردين فعندها يصبح معناها (القلاع) أو (الحصون) كونها تقع في منطقة جبلية.
26- منبج: مدينة من مناطق حلب اليوم الى جهة الشمال الشرقي وتقارب الفرات وتقع شمالي سوريا.
قال ياقوت في اصل التسمية: "هو بلد قديم وما أظنه إلا رومياً، إلا أن اشتقاقه في العربية يجوز أن يكون من أشياء، يقال: نبج الرجل ينبج إذا قعد في النبجة وهي الأكَمَة، والموضع منبج، ويجوز ان يكون قياساً صحيحاً، ويقال: نبج الكلب ينبج، بالجيم، مثل نبح ينبح معنىً ووزناُ، والموضع منبج، ويجوز أن يكون من النبيج وهو طعام كانت العرب تتخذه في المجاعة يخاض الوبر في اللبن فيحدج ويؤكل، فأما الاول وهو الاكمة، فلايجوز ان يسمى به لأنها على بسيط من الأرض لا أكمة فيها فلم يبق إلاّ الوجهين، وذكر بعضهم أن أول من بناها كسرى لما غلب على الشام وسمّاها (مَنْ به) أي أنا أجْوَد فعرّبت فقيل لها منبج"().
ولاصحة لهذه التخريجات التي لا تمتّ بأصل التسمية من قريب او بعيد، والحقيقة ان الاسم يرد منذ عصور قديمة، يسبق العصر الساساني (224-636م) بكثير التي زُعم انها انشأت فيه حيث يرد في النصوص المسمارية بصيغة (نامبيـﮕو nampigu و نانبيـﮕـيnanpigi ) و (نابّيـﮕـي nanppigi) () وتأتي في الآرامية بشكل " : مبّـﮓ" أما في السريانية فتلفظ ": مبّوگ) إن تشديد الباء الواردة في هذه الاشكال القديمة للاسم يظهر بوضوح إدغاماً للنون تم فكه في اللفظ المعرّب للاسم "منبج" ويظهر بالتالي أن الاسم مشتق من الجذر الآرامي السرياني : نبـﮓ الذي هو مرادف للجذر : نبع"، وقياساً على الاشتقاق الآرامي السرياني - : مُبّوع - من نبع- والذي يعني: النبع، يتضح ان صيغة " : مَبّوﮒ" – من نبج- لها نفس المدلول، وهي تعبر بشكل أدق عن النبع الفوّار. ومن الجدير بالذكر أن الاسم لم يكن يلفظ بمد الواو، بل بالضم القصير الذي يعتبر تحوله الى كسر بالعربية "منبج" أمر ليس بمستغرب . بقي أن يذكر أن فك الادغام "مَبّوﮒ أو مَبُّـﮓ إلى مَنْبـﮓ" وجد سابقة له في الآرامية الشرقية في اللهجة المندائية – بشكل "ممبوغا" (). ويذهب الباحث بهاء عامر أنها تأتي في المندائية بصيغة وتعني (الماء المقدس).
وقال الهمداني: هو اسم عربي، وكل عين تنبع في موضع تسمى نبجة والموضع المنبِج ().
27-نِفَّر:مدينة تقع على نحو 10كم من مدينة عَفَك و 25كم شمال شرقي الديوانية جنوبي العراق .
ويورد لنا ياقوت رواية غارقة في الجانب الاسطوري عن اصل تسميتها حيث جاء: "قال ابو المنذر: انما سمي نِفَّرُ نِفَّراً لأن نمرود بن كنعان صاحب النسور حين اراد ان يصعد الى الجبال فلم يقدر على ذلك هبطت النسور به على نِفًّر فَنَفَرت منه الجبال وهي كانت بها فسقط بعضها بفارس فَرَقاً (خوفاً وخشية) من الله فظّنت انها امر من السماء نزل بها.فذلك قوله عز وجل : وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال"() ولا أصل لهذا التفسير من قريب او بعيد فهي من المبالغة ان جعلت مدينة نفر فيها جبال في تلك الايام علماً ان المدينة تقع في منطقة السهل الرسوبي التي تنعدم فيه الظاهرة الطوبوغرافية (تضرّس الجبال) وكانت مدينة نفر تعد المركز الديني والثقافي الرئيسي لبلاد سومر. وترد في النصوص المسمارية بالصيغة السومرية EN.LIL.KI اي مدينة الاله انليل ومركز عبادته وهو اله الهواء والجّو في اعتقاد العراقيين القدماء، وإن قراءة الاسم يشار اليه بوساطة الكتابات المقطعية ni-ib-ru فيما تأتي باللغة الاكدية غالباً بصيغة اخرى ومقاربة لمخرج حرف الباء المجهورة b اي بصيغة حرف الباء المهموس p ،حيث تأتي بصيغة نيـﭙرُ nippuru وتكتب مقطعياً هكذا : ni(-ip)-pu-ru/ni-ip-pْ-ru .وتتحدّد الصيغة الأقدم التي ورد فيها اسم المدينة بهيئة
[n]e-eb-bu-ru-a]() . وهو مايدفع الباحث الى الاعتقاد ان اسم المدينة ربما يعني المعبر او العبّارة او المخاضة() لأن حرف الميم في اللغة الاكدية يقلب الى نون في الاسماء المصاغة باضافة المقطع مـ الى أولّها، اذا ضم الاسم احد الحروف الشفوية
(مm أو
بb او
پp)(). كما ان حرف العين سقط وفقد من الكتابة في اللغة الاكدية لان الكتابة المسمارية دوّنت في الاصل لكتابة اللغة السومرية التي تخلو من اغلب الحروف الحلقية، لكن فقدان حرف العين من التدوين عند الكتبة الاكديين (البابلييون-الآشوريون) لم يمنع الكتبة من تعويضه بحرف علة قريب منه مخرجا وهو حرف الياء المائلة e التي تُمثَّل صوتياً في الكتابة ().كما ان مايعزز هذا التخريج من لدن الباحث ،هو أن مدينة نفر كانت في العصور القديمة تقع على المجرى القديم لنهر الفرات والذي يشطرها شطرين ويبدو ان هناك معبرا او عبّارة او مخاضة بين جانبي المدينة يشكّل بؤرتها وكانت السبب الرئيس والجانب المهم والوظيفي لانشاء المدينة هناك. كما يمكن تأويل الاسم على انها (المدينة التي تعبّر اوتوصل ما بين الارض والسموات) استناداً الى النعوت الادبية الاكثر شيوعاً والتي عرفت بها المدينة بصغة (دور. آن. كي) durAN.KI اي حصن ومدينة السماء والارض او المدينة الموصلة بين السموات والارض او معبر او ممر السموات بالارض () لأن الإله انليل في معتقدات العرقيين القدماء يصعد على زقورة نفر في يوم من ايام السنة ويتلقى شكاوى سكان المدينة ويوصلها الى الإله (آنو ANU) اله السماء.
28- هيت: مدينة تقع على الضفه اليمنى من الفرات قبالة الرمادي في العراق.
جاء في معجم البلدان :"قال ابن السكّيت: سميت هيتُ هيتَ لأنها في هُوّة من الارض انقلبت الواو ياءاَ لانكسار ماقبلها، وهذا مذهب أهل اللغة والنحو، وذكر أهل الأثر أنها سميت بأسم بانيها وهوهيت بن السبندي ويقال البلندي بن مالك بن دُعَر بن بويب بن عنقا بن مدين بن ابراهيم ،عليه السلام"()
ولا صحة لكلا التخريجين لأن أصل اسم هيت مشتق من الكلمة الاكدية (البابلية –الآشورية) (ايتو itu او ايدو idu) التي تعني بالدرجة الاولى "القير" وهذا منشأ اسم مدينة "هيت" التي اشتهرت منذ اقدم العصور في حضارة وادي الرافدين بأنها مصدر رئيسي ومهم للقير والزفت().
29- يثرب: أشهر من ان تعرّف وهو الاسم القديم لمدينة الرسول (ص) -المدينة المنورة-.
جاء في معجم البلدان"سميت بذلك الاسم لأن أول من سكنها عند التفرّق يثرب بن قانية بن مهلائيل بن إرم بن عبيل بن عوص بن إرم بن سام بن نوح ،عليه السلام () .
ومن الجدير بالذكر ان هذه المدينة وردت في النصوص المسمارية من العصر البابلي الحديث وتحديداً من فترة حكم الملك البابلي نبونائيد(555-539 ق.م) بصيغة يتريبو iatribu
().
ويتعذر تقديم تفسير مقنع لأصل التسمية. ويبدو أنه أسم مصاغ من الفعل المضارع من الفعل ثَرَب ، قال ابن دريد في الاشتقاق: "يثرب: المدينة ويقال: ثرَّب فلان على فلان، إذا لامه ووبخه؛ وهو التثريب، ومنه قوله عز وجل: { لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ } .. الآية، والله أعلم. والثرْب: ثرب الشاة: (الشحم المبسوط على الامعاء والمصارين) وغيرها().
وصياغة أسماء الاعلام والمدن في اللغة العربية من الفعل المضارع شائعة ، وخاصة في اليمن، مثل: يكرب، يحصب، يشجب، يعرب، يشكر، يعفر. وكذلك أسماء المدن في الجزيرة العربية مثل: ينبع، يمن وغيرها().
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق